أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

أقفال الحب الألمانية .. بركة العُشاق لإدامة علاقتهم وحِفظ إخلاصهم


بعد أن تنزل من القطار في المحطة القريبة من كاتدرائية "الدوم" المهيبة، وترغب في استنشاق هواء رطب من نهر الراين الشامخ الذي يستعمر جزءاً من مدينة كولن الألمانية، سيمتد بصرُك لا محالة إلى سياج حديدي بكل ألوان الطيف، كأنه زربية تقليدية مغربية مصنوعة من ملابس مزركشة، وعندما تقترب لاكتشاف ماهية هذا السياج التي يلتقط بجانبه الزوار الصور التذكارية، تجد أن الأمر يتعلق بمئات الأقفال الحديدية التي تصارع بعضهاً بعضاً من أجل أن تجد موطئ حياة لها.

أقفال الحب

إنه جدار الأحبة الذي يزين جانباً من جسر هوهنزوليرن الرابط بين ضفتي نهر الراين، أحد المعالم السياحية التي تشتهر بها مدينة كولن، جدار يتكوّن من أقفال حديدية كُتبت عليها أسماء العشاق ورميت مفاتيحها، هي أقفال تحاول أن تمنع الحب من أن يخرج يوما عن قلبين، وتبتغي التأكيد على استحالة فكّ وثاق علاقة ما دام القفل قد ضاع في قعر أحد أضخم أنهار العالم.

أقفال الحب
لا علاقة لأقفال جدار الأحبة الألمانية بأقفال بعض المشعوذين والمشعوذات في المغرب، فالقفل الألماني يسعى إلى حفظ العلاقة بشكل رمزي، بينما يُستعمل القفل المغربي المسمى بـ"الثقاف" لأغراض متعددة منها ما يُعتقد أنه حرص من الزوجة على إخلاص زوجها بمنعه من النظر لأخرى، أو رغبة من الأهل لحفظ بكارة ابنتهم حتى الزواج، وأحياناً حتى الانتقام من شخص ما بجعله يصاب بالعجز الجنسي.
من الصعب أن تجد مكاناً شاغراً في جدار المحبة لوضع قفلك، لدرجة أن بعض الأقفال وضعت فوق أخرى، فحرص العشاق على رمزية إلقاء المفتاح في الراين، تجعلهم يعتقدون أن بركة الجدار سيحفظ علاقتهم للأبد، حتى ولو كانت الكثير من الأقفال، تؤرخ لعلاقات انتهت حسب ما أسرّ لنا به مواطن من كولن، لدرجة أن بعض الأشخاص وضعوا قفلاً جديداً إعلاناً منهم عن علاقة جديدة حلّت محلّ سابقتها.
 وكما تؤكد الصور التي التقطتها عدسة هسبريس، لا تملك أقفال الحب جنسية واحدة، بل يظهر أن أغلب جنبات المعمور تمتلك بصمتها بعد أن قام منتمون لها بتوثيق رباطهم هنا، ومن ذلك أسماء عربية، بل حتى بعض الأسماء التي تشتم منها عبق الثقافة المغربية.
 غير أن الحب المنسدل على هذا الجدار لا يجمع فقط بين رجل وامرأة، فقد عثرنا على بعض الأقفال التي تجمع بين المثليين من الرجال والنساء، كما وجدنا بعض الأقفال التي لا تجمع بالضرورة بين فردين، بل أسرة بكاملها، أو مجموعة من الأصدقاء الذين عزموا على الوفاء للود بينهم.

لا تنتهي القصة في مجرد وضع القفل، بل على العاشقين، أن يزورا قفلهما من حين لآخر كي يتأكدوا أنه لا زال في مكانه، فمن يسكن في كولن يحرص على تجديد ميثاق الزيارة بشكل أسبوعي أو حتى شهري، ومن يسكن في مدن ألمانية أخرى يحرص على فعل ذلك على الأقل بشكل سنوي، أما السياح الأجانب الذين لم تتوفر لهم فرصة السفر إلى كولن، فكثيراً ما يوصون كل صديق أو قريب لهم يسكن أو سيزور المدينة، أن يتفقد أوضاع أقفالهم.
تعود قصة أقفال الحب الألمانية، حسب ما استقيناه من معلومات إلى رواية الكاتب الإيطالي فيديريكو موتشيا تحت عنوان "أرغب فيك"، والتي يربط فيها بطلاها قفلين يحملان اسميها على عمود مصباح في جسر "بونتي ميلفيو" قرب العاصمة الإيطالية روما، ويرميا القفل في النهر، إلّا أن معلومات أخرى تشير إلى أن هذه الرواية خاصة بأقفال الحب في هذا الجسر الإيطالي، حيث توجد عادة مشابهة بربط الأقفال على مصابيحه، وإن كانت لم تعد قادرة على الاستحمال مؤخراً، فاستنجدت بلدية المدينة بأعمدة فولاذية تتدلى منها سلاسل تسمح بتعليق الأقفال.
 ولا تعاني الأقفال المعلقة على الجسر الألماني فقط من الازدحام الذي قد يحجب بعض الأسماء ويصعّب على أصحابها العثور عليها من جديد، كما لا تئن فقط تحت وطأة منافسة أقفال حب أخرى في روما وباريس ومدن أخرى، بل صارت تخشى كذلك من لصوص النحاس الذين نشطوا في ألمانيا مؤخراً بسبب ارتفاع أسعار هذه المادة، فقد أوردت جريدة الشرق الأوسط سنة 2012 خبر إلقاء شرطة مدينة كولن القبض على شابين حطما قرابة 52 قفل حب، غير عابئين بـ"تحطيمها" لرمزية حب اعتُقِد أن نهر الراين سيحميه للأبد.
hespress